fbpx

انفصال الوالدين وتأثيره النفسي على الأبناء | كيفية تجنب الصدمة

تشهد الأعوام الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الطلاق بين الأزواج عالمياً. عندما نتحدث عن الوضع في  مصر على سبيل المثال، نجد أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد أعلن عن ارتفاع حالات الطلاق لتصل إلى 6.8 % خلال عام 2019

 تعد الأسرة هي النواة الحقيقية لأي مجتمع، وقد يؤدي التفكك الأسري الحادث بعد الطلاق إلى مخاطر  تهدد المجتمع وتضع عليه أعباء مشكلات الطلاق العديدة. 

 انفصال الوالدين من أكثر التجارب المؤلمة والمؤثرة في حياة الأسرة، لأنها تؤثر على حياة جميع أفراد العائلة سلبيًا. نستطيع أن نجزم بأن الأبناء هم الضحايا الأساسيون جراء تلك التجربة الاستثنائية، بينما يرى الباحثون أن غالبية الأبناء الذين مروا بتجربة انفصال أو طلاق والديهم تأثروا بقدر ضئيل ولفترة قصيرة نسبياً. لكن هذا الأثر كان يحمل داخل طياته مشاعر مؤلمة عن تلك التجربة، وهناك بعضهم من لم يتجاوز الصدمة مطلقًا واستمرت لديه أعراض مرضية ظاهرة وخفية ناجمة عن تلك الصدمة. 

 من البديهي أن يشعر الطفل بأن حياته تنقلب رأساً على عقب، خاصة عندما يشاهد مظاهر الحب والود بين أبويه تتلاشى. تلك المظاهر تمثل المصدر الرئيسي للحب والأمان له. بعدها يتلقى الطفل نبأ أن أحد والديه سيغادر البيت نهائيًا، حينها ربما تختلف طريقة ردة فعله وتعبيره عن انفصالهم اعتماداً على عمره وما يستطيع أن يستوعبه. يتطلب الأمر أيضًا من الجميع الذكاء في التعامل معه والدعم الذي يقدم إليه من أفراد الأهل لتجاوز تلك التجربة بأمان. 

في هذا الموضوع سنلقى الضوء عن كيف يتأثر الأبناء بعد تجربة انفصال الوالدين وما الطريقة المثلى في التعامل مع أبنائنا حفاظًا عليهم من توابع الصدمة.

تأثير الانفصال على تعلق الأبناء بالوالدين

تُعرف رابطة التعلق بين الوالد والطفل طبقاً لنظرية التعلق النفسية Attachment Theory بأنها العلاقة الأولى بين الطفل ووالديه والتي تؤثر بشكل كبير على نشأة الطفل النفسية وتطوره العقلي. قد يختلف شكل رابطة التعلق في سنوات العمر الأولى للطفل وتتطور أكثر في مرحلة الطفولة المبكرة ثم المراهقة. 

تتمحور تلك الرابطة على إحساس الأمان الناتج من تواجد الوالدين والتفاعل العاطفي والنفسي، الذي يتيح للطفل استكشاف عالمه بدون خوف. قد تتأثر تلك الرابطة عند غياب هذا الفرد أو تهديد وجوده، ما يطلق عليه ( التعلق المٌهَدَّد) Insecure Attachment في منظومة الأمان النفسي للطفل وتترك داخله تأثيرًا عميقاً قد تظهر تبعاته فيما بعد في قلة المرونة الشخصية والاستجابة المعيبة لضغوطات الحياة. 

يضع فراق الوالدين على الطفل عبأ إضافي، وهو صعوبة الحياة بدون أحد الوالدين وتبعاته على تباين دخل الأسرة ومعدل الإنفاق والتواصل الاجتماعي مع العائلات الأخرى .

في البداية سنتطرق في عجالة إلى أسباب انفصال أو طلاق الوالدين.

أهم عشرة أسباب للطلاق وانفصال الزوجين :

1- الخيانة العاطفية

2- اضطرابات العلاقة الحميمية

3- المشكلات المادية

4- العنف الزوجي

5- العادات الإدمانية

6- الرغبة في تغيير الآخر

7- الأنانية

8- اختلاف الخطط المستقبلية

9- السلوكيات المٌنفِرة

10- تحول الاهتمامات

كيف تكون مشاعر أطفالنا عندما نقرر الطلاق ؟

قد يتأثر الطفل كثيراً من جراء عملية الانفصال ويشعر بالآتي : 

  • إحساس الفقد

  انفصال الطفل عن أحد الأبوين قد يعني أنه لم يفقد وجوده فقط داخل البيت، ولكن يعني أيضًا أنه لم يعد متاحًا في جميع جوانب حياته. 

  •  عائلتي مختلفة وغير مألوفة 

 عدم اكتمال صورة العائلة الأصلية داخل وجدان الطفل، قد يشعره كأنه أُختطف من عائلته الحقيقية، وأنه يعيش في عائلة غريبة عنه. 

  • الخوف من تركه وحيداً 

 يعمم الطفل شعوره بالصدمة والخوف فيٌخيّل إليه أنه ربما يتركه الجميع وحيداً في الحياة، طالما قرر أحد الأباء تركه فجأة. 

  • الغضب واللوم 

 يصب الطفل غضبه ولومه على أحد الأبوين أو كليهما بسبب مسئوليتهما عن هدم الأسرة. 

  • الإحساس بالذنب  

 يصيب الطفل القلق والإحساس بالذنب من شعوره بالمسئولية الوهمية وراء طلاق والديه بسبب بعض سلوكياته وتصرفاته الطفولية مثل كثرة البكاء أو الإلحاح. 

  • النبذ وفقدان الأمان

قد يظن الطفل أيضاً أنه لا يستحق الحب من والديه لهذا هجره بإرادته مبكرًا. يولد هذا لدى الطفل شعورًا أنه منبوذ ولا يوجد أمان في هذا العالم. 

  • التمزيق نفسيًا بين الأبوين

في حالة النزاع على الطفل بعد الانفصال، يشعر الطفل حينها أنه في صراع وأنه ممزقًا بينهم وعليه اختيار أحدهم للانتماء إليه. 

  • الشعور بالأمل : 

أحيانًا ما يجول بخاطر الطفل بعضًا من الأمل والرغبة في لم شمل العائلة مجددًا، وهذا قد يعرضه إلى خيبة الأمل جراء الاصطدام بالواقع واستحالة لم الشمل. 

الآثار السلبية على الأطفال والمراهقين :

تظهر الآثار السلبية على عدة مستويات منها: 

  • فشل دراسي : 

تلقي المشاكل العائلية وتجربة الطلاق بين الوالدين بظلالها على أداء الطالب دراسيًا، فتؤثر على فرص حصوله على درجات جيدة، وقد تتسبب في تسربه من التعليم. هذا بالإضافة إلى احتمالية انخراطه في بعض السلوكيات المنبوذة مثل إظهار العصيان تجاه المدرسين والإدارة، أو الدخول في مشاجرات مع زملائه ،أو السرقة، أو شرب الكحول ،أو تعاطي المواد المخدرة الممنوعة. 

  • اضطرابات نفسية : 

الأطفال الذين يتعرضون لتجربة طلاق والديهم هم الأكثر عرضة لاضطرابات الوجدان مثل الاكتئاب والتحديات الوجدانية وتدني احترامهم لذاتهم.

 تقول الدراسات أيضاً أن تلك الآثار السلبية تظهر جلياً في مشاكلهم العاطفية أثناء بداية سن الرشد، حيث ينتشر بينهم تبعات الفقر والفشل الدراسي، ويصبحون عرضة للعلاقات الجنسية المبكرة وغير الآمنة ،والإنجاب خارج إطار الزواج، والانفصال لتتكرر المشكلة. 

كيف تتصرف مع طفلك قبل تنفيذ الطلاق ؟

لن يكون سهلاً أن يخبر الطفل عن قرار والديه بالانفصال ولكنه ضروري لتقليل وقع الضرر عليه إن تفاجأ بالقرار. 

قبل أن تتحدثوا إلى طفلكم  

يجب أن تتفقوا معًا أن تشكلوا كفريق لدعم طفلكم، لذا نحَوا أي خلافات بينكم جانباً بعد تلك المهمة. 

حددوا نقاط الحديث واكتبونها في ورقة لكي توحدوا أجوبتكم للأسئلة التي سيطرحها ابنكم بالتأكيد.

إذا كنتم لا تطيقون الجلوس سويًا في جلسة حديث مع ابنكم، فيجب أن تتركوا وقت ومساحة للرد على استفساراتهم. 

تذكروا أنه من المهم في هذا التوقيت أن تظهروا أمام الأبناء اتفاقكم وليس نزاعكم  أو كلامكم السيء عن بعضكم البعض أو الضغط لكسب الأبناء لصفكم. 

اختاروا متى وأين يجب أن تتم تلك الجلسة

يجب أن يتم هذا الحديث في توقيت مناسب يفضل من اسبوعين لثلاث أسابيع قبل تنفيذ الطلاق ربما يوم العطلة الأسبوعية لكي يكون هناك فرصة يوم أو يومين قبل العودة للدراسة ،ولزمن كافي للأسئلة والرد عليها وتفسيرها وفي موقع هادئ وآمن. 

من نخبر أولاً ؟ 

قد يبدو للبعض أن إخبار الطفل الأكبر سناً فقط فكرة جيدة ولكنها سضع عبء عليه للحفاظ على السر. فمن المفضل إخبار الجميع في وقت واحد وإن ظننت أن طفلك الأصغر لن يفهم. 

عما سنتحدث معهم ؟ 

اعلموا أنه ليس الوقت المناسب لإلقاء التهم أو اللوم على بعضكم البعض. 

اجعلوا الرسالة بسيطة و واضحة مثل ” لقد اتخذنا قرارنا أننا لن نبقى سوياً وهذا قرار صعب ولكن مهم لكي يبقى الود بيننا 

نحن نحبكم كثيراً وفراقنا لا يجب أن يؤثر عليكم.

أكدوا على إيصال رسالة واضحة بأنه فراقنا ليس خطأ أحد منا أو منكم وأننا سنظل عائلة ولكن بطريقة مختلفة. 

طمئنوا أولادكم أنهم سيظلوا على تواصل معكم ولن تتوقفوا عن حبهم. 

اعترف بعدم قدرتك على الإجابة في الوقت الراهن

قد يسألك ابنك أسئلة من المبكر عليكم تحديد إجابتها مثل “ أين سأعيش ومع من منكم ؟وكم مرة سأحتاج التنقل بين منازلكم ؟ ” 

يجب عليكم أن تطمئنهم بأنه من المبكر تحديد تلك الأمور ولكنكم ستحرصون على ترتيب كل شئ بالشكل الأفضل لمصلحتكم. 

صَّدِق على مشاعر طفلك

تجنب الكلمات التي تحوي في طيها التهدئة ولكنها قد لا تساعد طفلك مثل ” لا تقلق سنكون بخير. لا تبكي سنظل عائلة واحدة ” 

استبدلها بالتأكيد على مشاعر طفلك لكي تبين له أنك تدرك ما يشعر به مثل القول:

 ” أنا متفهم أنك تشعر الآن بالخوف الشديد “.

” من الطبيعي أن تحزن أننا لن نبقى تحت سقف واحد بعد الآن ” 

لا تتعجب إن وجدت عدم مبالاة من طفلكم تجاه انفصالكما، قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يعي صعوبة الموقف. 

أخبر باقي المهتمين لأمر طفلك

من الأفضل أن تخبر معلمي طفلكم في المدرسة أو مدربه في النادي بشأن الانفصال قبل حديثكم مع الطفل. هذا سيساعد المعلم في توقع أي هفوة سلوكية من طفلك قد تتبع صدمته . 

من المفترض أن يبقى الأمر سراً وأن لا يبادر المعلم أو المدرب في مناقشة الأمر مع الطفل إلا إذا هو من طرحه بنفسه مع معلميه. 

سيكون من المفيد مراقبة سلوكه من خلالهم حتى يتسنى لك تقييم تأثير الأمر على طفلكم. 

لا تتردد في استشارة المختص. 

في النهاية يجب عليكم أن تستشيروا مختص نفسي أو اجتماعي لمساعدتكم في حالة ظهور علامات تشير لأن طفلكم لم يتأقلم بشكل جيد مثل : 

سن الحضانة :

القلق، التوقف أو التراجع في تطوره النمائي 

سن المدرسة الإبتدائية :

الخوف، الغضب، القلق، مشكلات سلوكية، تراجع في التحصيل الدراسي. 

سن المراهقة :

 سلوك عدواني ومنحرف، انعزالية، سلوك جنسي مرفوض، تعاطي مخدرات، فشل دراسي.

في النهاية نود أن نذكر بأن  الاعتناء في اختيار جيد ومناسب لشريك الحياة قد يقلل من مشكلات ما بعد الزواج ويساعد على استقرار الأسرة ونجاح المجتمع ككل. 

المراجع : 

verywellfamily |  rcpsychncbi

تعليقات