طفولة في زمن الحرب | العنف وآثاره النفسية على الأطفال
عند الحديث عن الحروب أو الأوضاع الصعبة التي تعيشها منطقتنا العربية، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو صور الدمار التي تحدثها الآليات العسكرية، وربما عداد الخسائر البشرية وحجم الإنتكاسات الإقتصادية التي تخلفها الحرب، لكن القليل منَا فقط من ينتبه إلى مدى الضرر النفسي التي يلحقه العنف بالنسيج البشري في المناطق المنكوبة، وخاصةً لدى المراهقين والأطفال، حيث يعد الأطفال الضحية الأولى والأشد تأثراً بالحروب، وحتى في حال لم تترك الحرب تأثيراتها الجسدية على أطفال منطقتنا العربية، فإنها بلا شك سوف تترك تداعياتها النفسية عليهم.
وبحسب الإحصائيات السنوية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، فإن نسبة الأطفال الذين تعرضوا للعنف خلال السنوات الماضية قد ارتفعت بمعدل 300% تقريباً، حيث أدت الحروب المشتعلة في المنطقة خلال الأعوام السابقة إلى إصابة الكثير من الأطفال بالتشوهات الجسدية والحروق، فضلاً عن فقدان الأطفال لذويهم خلال الحرب، وإجبارهم على العمل من أجل إعالة أنفسهم وإخوتهم، وخاصةً في ظل غياب دور المؤسسات المجتمعية والصحية والعلاجية التي من المفترض أن تقدم الدعم للأطفال المتضررين من أحداث العنف، ويجسد ما يحدث في فلسطين المحتلة وقطاع غزة تحديداً نموذجاً للمعاناة التي يعيشها الأطفال خلال الحرب.
كما كشفت الدراسات عن أن هناك ما يقارب 5 مليون طفلاً على الأقل يتعرضون لأزمات نفسية خلال فترات الحروب، نتيجة للصدمات التي تفوق استيعباهم وأجواء الرعب والعنف، والإنتهاكات النفسية الطفيلة بتشويه معنى العالم من حول الطفل، خاصةً في ظل افتقاد الطفل إلى الشعور بالأمان، هذا الشعور الذي يمثل حاجة أساسية لنمو الطفل معرفياً ونفسياً، لذا فإن الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، والقلق، والخوف والفزع، والكوابيس المزعجة، والعدائية وغيرها من الاضطرابات السلوكية هي نتيجة حتمية لمعايشة الأطفال للحروب والكوارث، إلى جانب مشاعر اليأس والإحباط التي قد تتولد في نفسية الطفل نتيجة ما قد يجابهه في مراحل مبكرة من حياته من فقد وقهر.
فقدان الأهل واضطراب الصدمة:
كشفت التقارير الحديثة التي أصدرتها منظمة أنقذوا الطفولة عن أرقام مفزعة تتعلق بحجم الخطر الذي يتعرض له الأطفال يومياً خلال الحرب، ففي الوقت الذي يحتاج فيه الأطفال لدعم أسرهم من اجل التغلب على تبعات الحروب، يعاني الكثير من الأطفال من تشتت شمل عائلاتهم وفقدان أفراد أسرهم تحت أنقاض المنازل أو خلف قضبان السجون، مما يفقدهم القدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية بحسب مراحلهم العمرية، فضلاً عن كونه يشكل صدمةً عاطفية شديدة لابد وأن تترك أثرها على مسار حياتهم، فخلال عام 2016 فقط انفصل ما يقارب 4000 طفل عن عائلاتهم.
وقد صرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) في عام 2014م بأن الحرب الفلسطينية قد خلفت وراءها ما يقرب من 373,000 طفلاً فلسطينياً خلال نفس العام بحاجة إلى تدخل نفسي ومجتمعي بصورة فورية، نتيجةً لتعرضهم للإصابة المباشرة وأعمال العنف والترهيب، أو إصابة أحد ذويهم أو إخوتهم، أو التعرض إلى القصف المدفعي المباشر أو إلى الغارات الجوية، أو المرور بتجربة النزوح والهجرة.
العنف الجنسي تجاه الأطفال:
يوصف العنف الجسدي تجاه الأطفال في خلال الحروب بحسب منظمة الأمم المتحدة على أنه الإغتصاب أو الإستعباد الجنسي أو البغاء القسري أو الحمل القسري أو الإجهاض القسري أو التعقيم القسري أو الزواج القسري، أو أي شكل من أشكال العنف التي يتعرض لها الأطفال والمراهقين خلال فترة الحروب والنزاعات، حيث تستخدم بعض الدول العنف الجنسي تجاه ىالأطفال كإحدى وسائل الحرب من أجل تعذيب الضحايا وإذائهم، مما يشكل صدمة نفسية خطيرة على الطفل، جنباً إلى جنب مع الأضرار الصحية الأخرى التي يتعرض لها الأطفال مثل الأمراض المنقولة جنسياً، ووصمة العار التي تلاحقهم طوال حياتهم.
التأخر الدراسي للأطفال في زمن الحرب:
يعاني الأطفال في بعض المناطق التي تعاني من النزاعات والحروب مثل قطاع غزة وسوريا من تعذر الوصول إلى المدارس بسهولة، نظراً للجو العام المضطرب وخطورة الطرق ووسائل النقل، بالإضافة إلى ضعف الدعم الحكومي والمجتمعي للتعليم المدرسي، وتعرض المدارس للقصف، حيث أثبتت إحدى الإحصائيات التي أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو (UNESCO) أنه في عام 2013م كان هناك حوالي 28.5 مليون طفل خارج إطار التعليم المدرسي، نتيجة للحروب والصراعات.
ومن الجدير بالذكر بأن أهمية التعليم المدرسي في حالة الحرب لا تقتصر على تطوير المهارات المعرفية للطفل فحسب، وإنما من تكمن الأهمية الأكبر في شغل الطفل عن التفكير في واقعه القاسي، ومساعدته على تحمل التوتر اليومي الذي تفرضه ظروف الحرب.
كما يمكن أن تشكل المدارس ملاذاً آمناً للأطفال للهرب من تجنيدهم من قبل العصابات المسلحة أو استغلالهم جنسياً، كما أن الوصول الآمن إلى التعليم في المناطق المبتلاه بالحروب من شأنه أن يخفف من وطأة التأثير النفسي السيء الذي تتركه الحرب، حيث يمكن أن توفر لهم الساعات المدرسية القصيرة فرصة مناسبة للإندماج وسط أقرانهم وعيش طفولتهم بصورة طبيعية.
فقدان الطفل للرعاية الصحية:
يعاني الأطفال في مناطق الحروب مثل سوريا وفلسطين وتحديداً في قطاع غزة من عدم القدرة على الوصول إلى المرافق الصحية، والتدني العام في منظومة الرعاية الصحية، والذي عادةً ما يتمثل في الإفتقار إلى المستلزمات الأساسية، ونقص الأدوية، وقلة عدد الأطباء وطاقم التمريض المشارك في العناية بالمرضى، كل هذه العوامل من شأنها أن تؤثر على جودة خدمات الطب النفسي المقدمة للطفل، فضلاً عن الخدمات الطبية الأولية مثل التعامل مع الإصابات وعلاج التشوهات وعلاج الحروق.
ونظراً لكون مرحلة الطفولة والمراهقة من المراحل الحساسة والفارقة في شخصية الإنسان وحياته، فإن عدم إيلاء الرعاية الطبية والنفسية اللازمة للطفل في هذه المرحلة من شأنه أن يحفز من تطور بعض المشاكل السلوكية والنفسية مثل الإكتئاب، والفزع، والقلق، والاضطرابات المزاجية والأرق، والميل إلى العنف.
صعوبة الحصول على الدعم الأسري:
تعاني معظم الأسر في المدن الواقعة تحت الحرب من العوامل الإقتصادية السيئة، واقتران ذلك بالبطالة للآباء مما نتج عن محدودية الدعم النفسي الصحي للآباء والأبناء على حد سواء، كل هذه العوامل تظافرت لتجعل من الحصول على الدعم النفسي الأسري أمراً بالغ الصعوبة، وصعب من مهام الآباء في إيلاء الإهتمام الكافي بأبنائهم، وهو ما يترك أثراً بالغاً على صحة الطفل النفسية وقدرته على الإندماج وسط المجتمع.
كيف يمكن أن نقدم يد العون لأطفال الحرب؟
يمكن أن تساعد خطوات الرعاية الأسرية من تخفيف الآثار التي تتركها الحروب والنزاعات على الصحة النفسية للأطفال، ومن أهم وسائل المساعدة نورد لكم ما يلي:
1.امنح طفلك الإهتمام الكافي:
احرص على إشعار الطفل بالأمان والطمأنينة وخاصةً في حال التعرض للقصف، أو في حال سماع أصوات القذائف، احتضن أطفالك وأخبرهم بأن كل شيء سوف يصبح على ما يرام، واحرص على تحفيظ أطفالك بعض الأذكار والأدعية البسيطة من أجل ترديدها في وقت الحاجة إلى الشعور بالسكينة.
2.واصل روتين حياتك اليومي:
احرص على الإستمرار في روتين الحياة اليومي، اطلب من أطفالك مساعدتك في القيام ببعض المهام المنزلية، والذهاب لشراء حاجيات المنزل أو التنزه في مكان قريب مع مراعاة عوامل الأمان، كل هذه الخطوات البسيطة من شأنها أن تقلل من حدة التوتر الذي يعيشه الطفل خلال فترة الحرب.
3.تحدث مع طفلك:
احرص على إفهام طفلك طبيعة الظروف التي تعيشون بها بشكل مبسط يتناسب مع مرحلته العمرية، حيث وجد بأن الأطفال الأكثر استيعاباً للظروف المحيطة بهم يصبحون أكثر تقبلاً وقدرةً على التعامل مع المستجدات أو الظروف الطارئة، كما أنهم أقل تأثراً من أقرانهم بالآثار النفسية السيئة التي تتركها الحرب.
4.اشغل وقت أطفالك بالتعلم:
احرص على تعليم أطفالك هوايات متعددة وإشغالهم بالأمور التي من شأنها أن تصرف أذهانهم عن التفكير في الواقع السيء، علمهم مهارات جديدة يمكن أن تصنع لهم مستقبلاً جيداً في ظل ظروف الحرب.
5.استمع لمخاوف طفلك:
وفُر وقتاً كافياً من أجل الاستماع لطفلك والسماح له بالتعبير عن مخاوفه، سوف يساهم الإستماع لأفكار طفلك في إشعاره بالطمأنينه، وتصحيح المفاهيم التي ربما لا يستوعبها بشكل صحيح، مثل فرط الخوف من الموت أو فقدان الأحباء.
6.حدد ساعات مشاهدة التلفاز
كن حريصاً على إبعاد طفلك عن مشاهدة المشاهد الدامية، من خلال التحكم بما يشاهدونه على شاشة التلفزيون أو الانترنت، وتقنين عدد الساعات التي يقضونها أمام هذه الأجهزة، فقد أثبتت الدراسات بأن مشاهدة الأحداث الدامية والمشاهد الصادمة من شأنه أن يزيد من احتمالية تعرض الطفل لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، حيث وجد بأن معظم الأطفال يصابون بتغيرات في كيمياء الدماغ مشابهة للتغيرات التي تصيبهم في حالة الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
ختاماً:
عادةً ما ينصب اهتمام الدول والحكومات والمنظمات المجتمعية خلال وبعد انتهاء الحروب على توفير الدعم اللازم لإعادة إصلاح البنية التحتية للمدن المتضرره، وعلاج المصابين وتطبيب الجروح، لكنهم قد يغفلون عن أهمية توفير الدعم الكافي من أجل إعادة التأهيل النفسي للأطفال الذين عايشوا الحرب، على الرغم من كونه ضرورة لا غنى عنها في سبيل بناء مجتمع معافى فكرياً ونفسياً، والمساعدة في محو الآثار السلبية التي خلفتها الحرب، والتي من الممكن أن تجر خلفها عواقب شديدة الخطورة في حال ما إذا تركت دون بحث واهتمام وعلاج كافي، ولا يقتصر تأثيرها السلبي على الأفراد وحدهم فحسب، وإنما على المجتمع بأكمله، لذا فإن توجيه الجهد نحو توفير الرعاية اللازمة للأطفال ضحايا الحرب في مختلف البلدان العربية هو واجب مجتمعي وإقليمي ودولي لابد منه.
كل الدُعم والدُعاء من فريق SehaSky إلى الشعب الفلسطيني الشقيق
وخاصةً إخوتنا المرابطين في غزُة والقٌدس
قلوبنا معكم
المصدر: UNICEF
تعليقات