كيف تساعد تقنية “الاستعاضة العصبية” مرضى الشلل على التحدث مجددًا؟
نجح باحثون في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في تطوير “ الاستعاضة العصبية للتحدث “، الذي نجح في تمكين رجل مصاب بالشلل التام من التواصل مع الآخرين في شكل جمل كاملة،عن طريق ترجمة الإشارات من دماغه إلى الجهاز الصوتي مباشرة إلى كلمات، لتظهر في صورة نص مقروء على شاشة.
الإنجاز الذي تم تطويره بالتعاون مع أول مشارك في تجربة بحث سريري، يعتمد على أكثر من عقد من العمل الجاد من قبل جراح الأعصاب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، د.إدوارد تشانغ، لتطوير تقنية تسمح للأشخاص المصابين بالشلل بالتواصل حتى لو كانوا غير قادرين للتحدث بأنفسهم. نُشرت الدراسة في مجلة New England Journal of Medicine.
قال د.تشانغ ، رئيس قسم جراحة الأعصاب في جوان وسانفورد ويل بجامعة كاليفورنيا في سانفورد، “على حد علمنا، تلك المرة الأولى للنجاح في فك تشفير للكلمات الكاملة من نشاط دماغ شخص مصاب بالشلل ولا يمكنه التحدث”.
يفقد الآلاف من الأشخاص كل عام القدرة على التحدث بسبب السكتة الدماغية، أو الحوادث، أو الأمراض. مع مزيد من التطوير، يمكن للنهج الموصوف في هذه الدراسة أن يمكّن هؤلاء الأشخاص يومًا ما من التواصل بشكل كامل.
ترجمة إشارات الدماغ إلى كلام
في السابق، كان العمل في مجال الاستعاضة العصبية الاصطناعية للتواصل يركز على استعادة التواصل من خلال الأساليب القائمة على التهجئة لكتابة الحروف في النص واحدًا تلو الآخر. تختلف دراسة د.تشانغ عن هذه الجهود، حيث يقوم فريقه بترجمة الإشارات التي تهدف إلى التحكم في عضلات النطق للكلمات، بدلاً من الإشارات لتحريك الذراع أو اليد لتمكين الكتابة.
وقال د. تشانغ “ من خلال الكلام، عادة ما ننقل المعلومات بسرعة بالغة، تصل إلى 150 أو 200 كلمة في الدقيقة “، ولكن الأساليب القائمة على التهجئة باستخدام الكتابة والتحكم في مؤشر الكتابة تكون أبطأ بكثير وأكثر صعوبة.الوصول المباشر إلى الكلمات، كما نفعل هنا، له مزايا كبيرة لأنه أقرب إلى الطريقة التي نتحدث بها عادة.”
على مدار العقد الماضي، تم تسهيل تقدم د.تشانغ نحو هذا الهدف خلال مرضى الصرع في مركز UCSF للصرع الذين خضعوا لجراحة أعصاب لتحديد منشأ نوباتهم الصرعية باستخدام الأقطاب الكهربائية الموضوعة على سطح أدمغتهم. تطوع هؤلاء المرضى، وجميعهم يتحدثون بصورة طبيعية، لتحليل أنشطة التحدث في كهربية أدمغتهم. مهد النجاح المبكر مع هؤلاء المرضى المتطوعين الطريق للتجربة الحالية في الأشخاص المصابين بالشلل.
في السابق ، رسم تشانغ وزملاؤه في معهد UCSF Weill للعلوم العصبية أنماط نشاط قشرة المخ المرتبطة بحركات منظومة التحدث ، والتي تنتج كل حرف ساكن وحرف متحرك. لترجمة هذه النتائج إلى معرفة الكلمات الكاملة، طور د.ديفيد موسيس، طرقًا جديدة لفك تشفير هذه الأنماط من أجل تحسين الدقة.
لكن نجاحهم في فك تشفير الكلام لدى المشاركين الذين كانوا قادرين على التحدث لم يضمن أن التكنولوجيا ستعمل في شخص يعاني من شلل في منظومة التحدث. قال د.موسيس: “كانت نماذجنا ينقصها رسم خريطة لأنماط نشاط الدماغ المعقدة والكلام المقصود”. “هذا يشكل تحديًا كبيرًا عندما لا يستطيع المشارك التحدث.”
بالإضافة إلى ذلك، لم يعرف الفريق ما إذا كانت إشارات الدماغ التي تتحكم في منظومة التحدث ستظل سليمة بالنسبة للأشخاص الذين لم يتمكنوا من تحريك عضلاتهم المشاركة في التحدث لسنوات عديدة. قال د.موسيس: “إن أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كان هذا يمكن أن ينجح هو تجربته”.
اقرأ أيضًا : نتائج واعدة تمهد لظهور علاج للشلل النصفي
أول 50 كلمة
للتأكد من جدوى هذه التقنية في المرضى الذين يعانون من الشلل، تعاون د.تشانغ مع زميله د.كارونيش جانجولي ، دكتوراه في الطب، أستاذ مساعد في علم الأعصاب ، لإطلاق دراسة تعرف باسم برافو “BRAVO” (استعادة واجهة الدماغ والحاسوب للذراع والصوت). أول مشارك في التجربة هو رجل في أواخر الثلاثينيات من عمره أصيب بجلطة مدمرة في جذع المخ منذ أكثر من 15 عامًا، وألحقت أضرارًا بالغة بالوصلات بين دماغه ومنظومته الصوتية وأطرافه. منذ إصابته، كان لديه حركات محدودة للغاية في الرأس والرقبة والأطراف، ويتواصل باستخدام مؤشر متصل بقبعة بيسبول للنقر على الأحرف على شاشة.
تعاون المشارك، الذي طلب أن يُشار إليه باسم برافو-1 “BRAVO-1 “، مع الباحثين لإنشاء مفردات من 50 كلمة يمكن لفريق د.تشانغ التعرف عليها من خلال نشاط الدماغ باستخدام خوارزميات الكمبيوتر المتقدمة. كانت المفردات – التي تتضمن كلمات: مثل “ماء” و “عائلة” و “جيد”، كافية لإنشاء مئات الجمل التي تعبر عن مفاهيم تصلح للتعبير عن حياة برافو-1 اليومية.
من أجل الدراسة، زرع د.تشانغ مصفوفة قطب عالية الكثافة جراحيًا أعلى منطقة محرك الكلام بقشرة الدماغ في المشارك برافو-1 . بعد الشفاء التام للمشارك، قام فريق د.تشانغ بتسجيل 22 ساعة من النشاط العصبي في منطقة الدماغ هذه على مدى 48 جلسة وعدة أشهر. في كل جلسة، حاول برافو-1 نطق كل كلمة من الكلمات الخمسين عدة مرات، بينما سجلت الأقطاب الكهربائية إشارات دماغية من قشرة محرك الكلام.
ترجمة محاولة الكلام إلى نص
لترجمة أنماط النشاط العصبي المسجل إلى كلمات مقصودة محددة، استخدم الباحثان الآخران للدراسة، د.شون ميتزجر، ود.جيسي ليو ، طلاب الدكتوراه في الهندسة الحيوية في مختبر د.تشانغ، نماذج من الشبكات العصبية، وهي صور من الذكاء الاصطناعي. عندما حاول المشارك التحدث، ميزت هذه الشبكات الأنماط الدقيقة في نشاط الدماغ لاكتشاف محاولات الكلام وتحديد الكلمات التي كان يحاول نطقها.
لاختبار هذا الأسلوب، عرض الفريق لأول مرة على برافو-1 جمل قصيرة مكونة من 50 كلمة من المفردات وطلب منه محاولة نطقها عدة مرات. وأثناء قيامه بمحاولاته، تم فك تشفير الكلمات من نشاط دماغه، واحدة تلو الأخرى، على الشاشة.
ثم انتقل الفريق إلى طرح أسئلة مثل “كيف حالك اليوم؟ هل تريد بعض الماء؟ ” كما كان من قبل، ظهرت محاولة برافو-1 في الكلام على الشاشة. “أنا جيد جدًا” و “لا ، أنا لست عطشانًا “.
وجد الفريق البحثي أن النظام كان قادرًا على فك تشفير الكلمات من نشاط الدماغ بمعدل يصل إلى 18 كلمة في الدقيقة بدقة تصل إلى 93% (بمتوسط 75 %) . ساهم في النجاح نموذج لغوي طبقه د.موسيس والذي اتخذ وظيفة “التصحيح التلقائي”، على غرار ما يستخدمه الأشخاص في الرسائل النصية وبرامج التعرف على الكلام.
وبالنظر إلى المستقبل ، قال د.تشانغ ود.موسيس إنهما سيوسعان التجربة لتشمل المزيد من المشاركين المتأثرين بالشلل الشديد ونقص التواصل. يعمل الفريق حاليًا على زيادة عدد الكلمات في المفردات المتاحة، وكذلك تحسين معدل الكلام.
قال كلاهما أنه بينما ركزت الدراسة على مشارك واحد ومفردات محدودة، فإن هذه الظروف لا تقلل من الإنجاز. واختتم د.موسيس قائلًا: “ هذا معلم تكنولوجي مهم لشخص لا يستطيع التواصل بشكل طبيعي، ويوضح إمكانية هذا النهج لإعطاء صوت للأشخاص المصابين بالشلل التام وفقدان النطق”.
تعليقات