علاج مرض تاي ساكس الوراثي Tay-Sachs | بين المستحيل والرجاء!
“ مرض تاي ساكس ” إنها لحقيقة غريبة أن داء الحماقة الأسرية -وهو مرض نادر و مميت يصيب الأطفال- يحدث غالبًا بين اليهود. هذا ما خرجت به الموسوعة العلمية اليهودية عام ١٩٠١م لتخبر العالم عن اكتشاف مرضٍ جديد أو لعنةٍ جديدة قد حلت على العائلات اليهودية، ولكن ما هذا المرض؟ ولماذا أثار هذا القلق بين قطاع محدد من البشر؟ هذا ما سنتناولهُ في هذا المقال بالتفصيل.
محتويات المقال:
- الأعراض واحدة.. والمرض مجهول!
- لغز حيَّر الأطباء وورقة علمية تكشف وبائية مرض تاي ساكس.
- تطور مرض تاي ساكس، وإنذارات بالخطر.
- ما سبب حدوث داء تاي ساكس Tay-sachs؟
- أعراض مرض تاي ساكس.
- طرق تشخيص داء تاي ساكس.
- هل يُعد الشفاء من مرض تاي ساكس مستحيلًا؟
- بارقة أمل في علاج مرض تاي ساكس.
الأعراض واحدة.. والمرض مجهول!
في عام ١٨٨١م قدم طبيب العيون البريطاني “وارين تاي” دراسة لمؤتمر الجمعية الطبية لطب العيون، والتي دوّنت ملاحظاته حول اكتشافه لبقعة كرزية على شبكية العين لأحد المرضى الناتجة عن تراكم دهون، ومن ثم تتبع “تاي” باقي الأعراض المرضية التي تشابهت مع أكثر من فردٍ في نفس العائلة.
وفي رقعةٍ بعيدة -نوعًا ما- قدم طبيب الأعصاب الأمريكي “برنارد زاكس” بحثه عن اكتشافه لحالاتٍ مماثلة في جمعية الأعصاب بنيويورك، كما وصفت أبحاثه بعض التغيُّرات التي قد تطرأ على الخلايا المتعلقة بالمرض.
هل استنتجت إذن السر وراء تسمية مرض تاي ساكس؟
لقد نُسبت إلى الأطباء الذين اكتشفوه “وارين تاي و برنارد ساكس” لهذا سُمي Tay-Sachs، ولكن مع الأسف لم تساعدهم الإمكانات المحدودة حينها على التعرف على سبب هذا الخلل، وتمّ التعرف عليه لاحقا عام م١٩٦٩م على أنه نقص في إنزيم هام جدًا مهمته تكسير الدهون يُعرف بإنزيم هكسوسامينيديز.
لغز حير الأطباء وورقة علمية تفسر وبائية تاي ساكس!
ظل العالم متناسيًا لسنوات تلك الرقعة التي نشرها عالم الوراثة ” غريغور مندل ” والتي كانت تحمل تفسير انتقال الصفات الوراثية من الأبوين إلى الأجيال القادمة التي قام بتجربتها على نموذج (نبات البازلاء).
فلو اطَّلع علماء اليهود وقتها على أبحاث “مندل” لكانوا توصّلوا إلى أن المجتمعات المغلقة التي تتزاوج فقط فيما بينها هي الأكثر عرضةً لظهور الكثير من الأمراض الوراثية، فعلى الرغم من تزاوج أبوين سليمين تمامًا إلا أنهم في الحقيقة -وكما وصف “مندل”- حاملين للجين الوراثي المتنحي الذي يُعبِّر عن نفسه بطلاقة، ويبرز صفاته متى تزاوج مع مثيله.
لهذا السبب تكمن الوقاية بالتأكيد عبر منع تزاوج الأشخاص الحاملين للمرض من بعضهم البعض، و ذلك عبر إجراء عدة تحاليل تتم بشكلٍ دوري، وربما يكون إجباري بين المجتمعات الموبوءة، وقد أثبتت تلك الطريقة فاعليتها في تقليل نسبة المرض بدرجةٍ كبيرة في الولايات المتحدة وكندا.
مرض تاي ساكس لم يقتصر على يهود أشكيناز:
على الرُغم من أن اليهود هم أوّل من ظهر بينهم مرض تاي ساكس وخاصةً “يهود أشكناز ” الذين يُعدون حملة للجين المتنحي؛ حيث يظهر بينهم مولودٌ مصاب بداء تاي ساكس بين كل ٣٦٠٠ مولودًا، إلا أن المرض لم يقتصر على اليهود فقط، فقد اكتشفت حالات مشابهة في مجتمعات أخرى مغلقة، مثل: مجتمع الكيجون، ومجتمع الاميش النظامي ببنسلفانيا، والجماعات الفرنسية بكندا، .. وغيرها.
تطور مرض تاي ساكس، وإنذارات الخطر:
يعد مرض تاي ساكس واحدًا من أكثر الأمراض ندرةً على مستوى العالم وله شأن جميع الأمراض الوراثية، فقد يتزاوجُ شخصان مُعافان وتحدث الصدمة بميلاد طفل به خلل جيني أو محمل بطفرة جينية متنحية، وتتسبب تلك الطفرة الجينية المتنحية في نقص إنزيم حيوي وهو “إنزيم هكسوسامينيديز” المسئول عن تكسير بعض مشتقات الأحماض الدهنية الغانغليوزايد والتي تنتج من التطور الطبيعي للخلايا في الحياة المبكرة، ويُولد طفل سليم.
لكن مع مرور الوقت قد تبدأ أعراض غريبة في الظهور وتتضح عند بلوغه الشهر السادس، وكانت تشخص بأنها داء “تاي ساكس” وتبدأ المعاناة، والتي تنتهي نهاية مؤسفة بالشلل والموت المبكر عند عمر ثلاث أو أربع سنوات، وتزداد فرص الحياة كلما تقدم الطفل في العمر وتأخر ظهور الأعراض.
ما سبب حدوث داء تاي ساكس Tay-sachs؟
يتسبب غياب إنزيم الهكسوسامينيديز في عدم تكسير الغانغليوزيد، وذلك يتسبب في تراكمها على الخلايا العصبية وتورمها؛ مما يُفقد الخلايا العصبية وظيفتها تدريجيًا، وتتأخر القدرات الذهنية والجسدية تبعًا لذلك، وبالطبع إصابة الخلايا العصبية سوف يترتب عليها فقدان التواصل العصبي بين المخ والحبل الشوكي وباقي أعضاء الجسم، ومن ثَمَّ تَنشأ أعراض متفاوتة حسب الضرر الواقع على المنطقة.
أعراض مرض تاي ساكس:
تختلف أعراض تاي ساكس من مريض لآخر تبعًا لمقياس التلف الحادث في الخلايا العصبية والمنطقة المتأثرة، وتكون الأعراض:
- حدوث نوبات عصبية واضطرابات مبالغ فيها حال الضوضاء.
- يُلاحظ على الطفل فُقدانه للمهاراتِ التي اكتسبها وخاصةً المهارات الحركية، مثل: الزحف، أو الجلوس بوضعية صحيحة؛ وذلك نتيجة لضعف العضلات وفقدانه السيطرة عليها.
- كبر حجم الدماغ؛ وذلك نتيجة تراكم المواد الدهنية على المخ.
- فقدان تدريجي للحواسِ، مثل: السمع، والبصر؛ نتيجة تلف الأعصاب المغذّية لها.
- عند إجراء فحص العين لدي الأطفال يتضح وجود العلامة الفارقة للمرض، وهي وجود بقع حمراء كرزية على شبكية العين يمكن للطبيب رؤيتها بوضوح عن طريق منظار قعر العين، وهذه البقعة المنتفخة ناتجة عن تراكم جزيئات الغانغليوزايد، ويمكن التمييز بين مرض تاي ساكس وأمراض تخزين البروتين (مثل: مرض غوشر ، ساندهوف، مرض نيمان بيك) عن طريق فحص الكبد والطحال، فيتميز داء تاي ساكس بأنه لا يتسبب في تضخم الكبد والطحال عكس الأمراض الأخرى.
طرق تشخيص مرض تاي ساكس:
- يعتمد التشخيص على قياس مستويات إنزيم بيتا هيكسوزأمينيداز في بلازما الدم، أو كرات الدم البيضاء.
- الفحص المجهري لقاع العين؛ لتحديدِ البقعة الكرزية على الشبكية.
- تحليل الصبغيات؛ ليتم التأكد من وجود الاضطراب الجيني.
- هناك بعض الاختبارات تتم على الأجنة في بطون أمهاتهم؛ لتحديد مدى كفاءة إنزيم هكسوسامينيداز :
أولًا : تُؤخذ العينات من الزغابات المشيمية عبر المهبل من الأسبوع العاشر إلى الأسبوع الثالث من الحمل.
ثانيًا : عن طريق البزل الأمنيوسي؛ لفحصِ السائل المحيط بالجنين، والذي يحدث بين الأسبوع الخامس عشر إلى الأسبوع العشرين من الحمل.
هل يُعد الشفاء من مرض تاي ساكس مستحيلًا؟
لازالت الأمراض الوراثية تُفاجئ العلماء وتوقفهم عاجزين أمام مشاهدة طرق تشخيص مرض تاي ساكس الجينات بجسم الإنسان، وكيف تتبلور وتُنشئ أعراض غريبة لا حول لهم ولا علم بعلاجها؟ فهي حَجر العثرة الذي يقف أمامه الأطباء على الرغم من كل الإمكانات! فلا زالوا يراقبون تطور الأعراض مكتوفي الأيدي، وربما يتدخلون بعلاجات لا جدوى منها -فقط-؛ للتخفيف من الأعراض وحدّة المرض، مثل:
- الأدوية المسكنة للألم ومضادات الاكتئاب؛ لتحسين حالة المرضى.
- العلاج النفسي وحلقات العلاج الجماعية للأسر التي لديها أطفال مصابين.
- العلاج الطبيعي والذي يؤدّي دورًا في تنشيط الأعصاب المتصلة بالأطراف وحتى يحدث تقليل الإنتانات.
- في حالات صعوبة التنفس لابد من الاستعانة بالأدوية النفسية التي تمنع تراكم المخاط في الرئة.
- لابد من اللجوء إلى التغذية عبر الأنابيب إذا ما تعذرت عمليات البلع والرضاعة.
بارقة أمل في علاج مرض تاي ساكس:
على الرُغم من كل المعوقات إلا أن الأبحاث لازالت تُجرَى على قدمٍ وساق؛ للتوصل إلى علاجٍ فعالٍ لمرض تاي ساكس، وهذه العلاجات مثل:
أولًا : تعويض إنزيم الهكسوسامينيديز ، والمتسبب غيابه في حدوث المرض.
ثانيًا : استخدام جزيئات تقوم بتنشيط عمل الإنزيم.
ثالثًا : حقن جزيئات دقيقة تمنع تراكم الغنغليوزايد.
رابعًا : العلاج الجيني الذي يتم عبر تعديل الجينات الوراثية، والذي قد يُصحح مسار الخطأ الجيني وما يترتب عليه من تأثير، وهذا العلاج قد أقرّت تجاربه منظمة العلاج والغذاء.
خامسًا : العلاج بنقل الخلايا وذلك عن طريق نقل نخاع العظام حتى تُوفر الإنزيم المفقود.
ختامًا عزيزي القارئ.. على الرغم من النتائج المبدئية المبشرة التي توصل لها العلماء عبر تطبيقها على الحيوانات؛ إلا أنه لم يستطع أحدٌ الجزم بمدى تأثير هذا العلاج على صحة الإنسان، وحتى زمن كتابة هذه السطور لا يوجد علاج شاف لداءِ تاي ساكس أو حتى دواء يُمكنهُ تأجيل النهايات الصادمة، فلربما حمل لنا المستقبل أبحاثًا موثقة تجود بها قريحة العلماء تعيد النبض إلى أسرٍ قد أرهقتها
تعليقات