النمو العقلي للطفل نتيجة جيناته أم تجاربه المبكرة
تحصل السنوات الأولى من عمر الطفل على اهتمام كبير من مقدمي الرعاية للأطفال وذلك لأن التجارب التي يخوضها الطفل والعلاقات التي تربطه بالأشخاص المهمين في حياته خلال تلك السنوات هي التي تشكل النمو العقلي للطفل، كما أنها تُؤثر على سلوكه، وصحته الجسدية، والعقلية طوال حياته.
محتويات المقال:
- العوامل المؤثرة على النمو العقلي للطفل:
- أهمية السنوات الأولى في النمو العقلي للطفل
- مبدأ (الفعل ورد الفعل) والنمو العقلي للطفل
- تأثير حرمان الطفل من مبدأ (الفعل ورد الفعل)
- مقترحات للقراءة:
العوامل المؤثرة على النمو العقلي للطفل:
الجينات:
لا يتوقف عمل الجينات على تحديد لون أعيننا أو ما إذا كنّا طوال القامة أو قصار فقط بل تجعلنا الجينات بشرًا لأنها مركز كل شيء، ويتمثل دور الجينات في إنتاج البروتينات التي تدير كل شيء في أجسامنا؛ على الأقل ما يقرب من ثلث 20000 جين مختلف يكون نشطًا بشكل مبدئي في الدماغ، كما تؤثر هذه الجينات على تطور ووظيفة الدماغ، وبالتالي تؤثر في طريقة تفكيرنا وشعورنا وسلوكنا وتحركنا.
بالتأكيد أن جيناتنا تحدد مَن نحن؟ لكنها ليست العامل الوحيد في تحديد ذلك، فالتجارب المبكرة التي يخوضها الطفل تؤثر على ما إذا كان سوف يتم التعبير عن هذا الجين أو لا، وهذا ما أوضحه بحثًا جديدًا في مجال علم التخلق أن جيناتنا مصممة لتكون حساسة للتجارب خلال فتراتٍ معينة من التطور، حيث تعمل التجارب المبكرة على تحفز التغييرات الهيكلية في المنطقة المحيطة بكل جين، وبالتالي تؤثر على هذا الجين عما إذا كان سوف يتم التعبير عنه أو لا؛ لذلك فإن مدى جودة العلاقة بين الطفل ومقدمي الرعاية تؤثر على التنظيم العاطفي والحساسية تجاه التوتر لدى الطفل، ويستمر تأثيره على الطفل لبقية حياته، وذلك لأن هذه العلاقة تغيّر التعبير عن الجينات المسؤولة عن تنظيم المشاعر و التوتر من خلال التغيير اللاجيني.
التغذية السليمة:
تؤدي التغذية السليمة دورًا رئيسًا في تعزيز الصحة العقلية خاصةً للأطفال، كما تشير الدراسات إلى أن التغذية تؤثر على نمو الدماغ والنمو العقلي للطفل أكثر من البالغين، فالأطفال الذين يتناولون أنظمة غذائية متوازنة من البروتين والألياف وغيرها يتمتعون بصحة عقلية أفضل وهذا يؤثر بشكلٍ مباشر على مستويات القلق وأنماط النوم.
تبدأ التغذية السليمة للطفل قبل بدء فترة الحمل فالغذاء الصحي والعناصر الغذائية المناسبة، مثل: حمض الفوليك يعزز صحة الحامل، كما أنه يحمي الجهاز العصبي لدى الجنين، كذلك حصول النساء على التطعيمات تحميهم من العدوى التي يمكن أن يضر بدماغ الجنين، أما أثناء الحمل فيجب على الحوامل المحافظة على نظام صحي متوازن وتجنب عدد من المخاطر التي يمكن أن تؤثر على الدماغ، منها:
- الأمراض المعدية، مثل: الفيروس المضخم للخلايا (Cytomegalovirus).
- التعرض للسموم.
- التدخين أو شرب الكحول خلال الحمل.
- الولادة المبكرة.
اقرأ أيضًا: لمحة عامة عن انحلال البشرة الفقاعي | الأعراض وسبل العلاج
أما خلال مراحل نمو الطفل فهناك ثلاثة عناصر غذائية مهمة بشكلٍ خاص لدعم نمو الدماغ، هي:
- لوتين (Lutein): وهو مشتق من فيتامين أ (Vitamin A)، كما يعد الكاروتينويد الرئيس الموجود في أدمغة الأطفال، فهو يوجد في أربعة مناطق من الدماغ؛ وهي مناطق متعلقة بالذاكرة والتعلم والتطور.
- فيتامين هـ (Vitamin E): يدعم فيتامين هـ نمو الخلايا.
- حمض أوميجا 3 الدهني (omega-3 fatty acid): يدعم نمو الدماغ، وهو موجود في أغشية الخلايا، ويتركز في الدماغ.
يؤكد أخصائي التغذية وعالم تغذية الأطفال بيث ريفيري أن موقع هذه العناصر الغذائية داخل الدماغ يساهم في وظيفتها، على سبيل المثال: اللوتين هو كاروتينويد أساسي موجود في العين، ويعمل على نقل المعلومات البصرية إلى الدماغ، كما يوضح أيضًا أن حمض الأميجا 3 الدهني يتعلق بالبنية والوظيفة الطبيعية للدماغ، وأن فيتامين هـ يساعد في حماية حمض الأوميجا 3 الدهني من التلف.
يستطيع الطفل الحصول على فيتامين هـ ولوتين من مصادر غذائية، وذلك لأن الجسم لا يستطيع صناعتها، وبالنسبة للوتين فهو يوجد في السبانخ، والكوسة، والبروكلي، وصفار البيض، والذرة، والتفاح الأحمر، أما فيتامين هـ فيوجد في اللوز، وعباد الشمس، وزيت الزيتون، والبندق، والفول السوداني، والأفوكادو، والسبانخ، والبروكلي، والجزر، كما تحتوي الأسماك (مثل: السلمون، والسردين) على حمض الأوميجا 3 الدهني.
اقرأ أيضًا: تأخّر النطق لدى الأطفال | الأسباب، والتشخيص، والعلاج
- التعرض للسموم والعدوى:
يمكن أن تؤثر الجينات على نمو الدماغ، أيضًا من المهم تجنب تعرض الرأس للصدمات والإصابات، كما أنه من المهم التأكد من حصول الطفل على اللقاحات في مواعيدها، مثل: لقاح الحصبة؛ لتجنب العديد من المخاطر التي يمكن أن تؤثر على الدماغ؛ مسببة خلل في النمو العقلي للطفل.
- تجارب الطفل مع الآخرين والعالم: سوف نتناولها في ثنايا هذا المقال.
أهمية السنوات الأولى في النمو العقلي للطفل
يتطور دماغ الطفل خلال السنوات الخمس الأولى أكثر من أي وقت آخر، ويبلغ متوسط دماغ الطفل عند الولادة حوالي ربع حجم دماغ البالغين، ويتضاعف حجمه في السنة الأولى، ثم يستمر في النمو إلى حوالي 80% من حجم البالغين عند بلوغ سن الثلاث سنوات، ثم يصل إلى 90% عند سن الخمس سنوات.
يعد الدماغ هو مركز قيادة جسم الإنسان، فيولد الطفل ولديه جميع الخلايا العصبية (neurons) المكونة لبقية حياته، لكن الروابط بين هذه الخلايا تحدث خلال السنوات الأولى للطفل، حيث يتم إجراء ما لا يقل عن مليون اتصال عصبي جديد كل ثانية في السنوات الأولى أكثر من أي وقت آخر، وتبلغ أهمية تلك الروابط العصبية في أنها المسؤولة عن الحركة، والتواصل، والتفكير، والتنظيم الذاتي، وحل المشكلات، وأنها إذا لم تتكون في السنوات الأولى سيكون صعب جدًا تكوينها في وقت لاحق من الحياة.
تتطور الروابط العصبية لدى الطفل من خلال التجارب اليومية من خلال التفاعل الإيجابي بينه وبين والديه، فتلك التجارب تحفّزه على استخدام حواسه للتفاعل مع ذلك العالم الجديد؛ لذا تعد نوعية وجودة الرعاية والتحفيز والتفاعل الذي يتلقاه الطفل خلال تلك السنوات عاملًا محوريًا في تشكيل عقله.
يقدم الطفل منذ الولادة دعوات للتفاعل مع والديه وذلك عن طريق الابتسام والبكاء وإصدار الأصوات، وتعد هذه الدعوات فرصة للوالدين للاستجابة لاحتياجات الطفل، كما تعرف تلك العملية بمبدأ الفعل ورد الفعل (serve and return).
مبدأ (الفعل ورد الفعل) والنمو العقلي للطفل
يتمثل مبدأ الفعل ورد الفعل في أنه مجموعة من التبادلات بين الطفل والأبوين أو مقدمي الرعاية للطفل يشبه هذا المبدأ لعبة التنس أو كرة الطائرة بين الطفل ومقدم الرعاية، حيث يقدم الطفل الفعل (Serve) من خلال التواصل سواء كان بالتواصل البصري أو تعبيرات الوجه أو الثرثرة أو اللمس ثم يقوم الأبوين أو مقدمي الرعاية بالاستجابة لهذا الفعل، والذي يعرف برد الفعل (return) عن طريق التحدث مرة أخرى للطفل أو من خلال مشاركة الطفل اللعب والضحك.
يعد مبدأ الفعل ورد الفعل الحجر الأساسي في النمو العقلي للطفل، فهو يساعد الطفل على تعلم كيفية التحكم في عواطفهم، والتعامل مع التوتر، وتعلم المهارات التي ستكون الأساس للتطور المستمر خلال حياته.
اقرأ أيضًا: ما تأثيرات الشاشات السلبية على الأطفال؟
تأثير حرمان الطفل من مبدأ (الفعل ورد الفعل)
عندما يقدم الطفل الكرة ولا يقوم أحد بإعادة الكرة -بمعنى أن يقوم الطفل بالفعل، ولا يقوم مقدمي الرعاية برد الفعل المناسب- بمرور الوقت سوف تضعف بنية الدماغ محدثًا خللًا في النمو العقلي للطفل، وبالتالي سوف تتأثر مهارات وقدرات وسلوك الطفل أيضًا صحته، فالغياب المستمر لمبدأ الفعل ورد الفعل بين الطفل ومقدمي الرعاية -الأبوين- له تأثير مزدوج على صحة الطفل والذي يتمثل في عدم تلقي الدماغ التحفيز الإيجابي الذي يحتاجه، كذلك تنشيط استجابة الجسم للتوتر.
مما لاشك أن رعاية الطفل مسؤولية كبيرة تحتاج إلى الإدراك الواعي بمراحل تطور الطفل واحتياجاته في كل مرحلة، كما أن رعاية الطفل لا تتمثل في تلبية طلباته بل احتياجاته؛ لينشأ قادرًا على مواكبة الحياة.
تعليقات