fbpx

ضمور المخ ِ| الأعراض والعلاج

   كنت أتساءل.. هل يمكن أن يضمر المخ باعتباره خليط متناغم من أعقد وأثمن الخلايا الذي وهبنا الخالق إياها؟! إن الخلايا العصبية تشكل هويتنا وعينا ذاكرتنا، فهو مرآة العالم عنا ومرآتنا عن العالم، وهو مركز التأثير والتأثر والتعبير والاعتبار، ففيها حواسنا وأحاسيسنا وتكمن بها مبادؤنا وقيمنا، فللأسف الجواب نعم؛ لذلك سنلقي الضوء عليه أكثر في هذا المقال.. تابع معي عزيزي القارئ.

عناصر المقال:

 ضمور المخ

   ضمور المخ وارد وشائع وليس نادرًا، لكنه غير محبذ للمرضى والأطباء فهو ابتلاء وارد قد يصيب أيّ منا دون سابق إنذار، ويصبح مصير الإنسان إما الموت التدريجي أو السريع للعصبونات داخل دماغنا (العصبونات: مسمى مختصر للخلايا العصبية) في موضع محدد بالمخ أو معمم يشمل مساحة واسعة بالمخ، والسبب هو الذي يحدد التسارع في موتها؛ فقد يكون ناجم عن نقص تروية حاد يتسبب بقتل ملايين العصبونات في دماغنا، وقد يكون تدريجي يقتلها خلسة واحدة تلو الأخرى ضمن حالات مرضية مزمنة تتربص بهلاكه البطيء.

أسباب ضمور المخ

أولًا: الأسباب الباكرة لضمور المخ

   هي واقعة في الفترة الزمنية الممتدة من الحمل إلى فترة ما بعد الولادة.. والآن لنرى متى يظهر ضمور المخ عند الرضيع؟

   فترة الحمل من الفترات الزمنية الهامة جدًّا لتطور الدماغ والعضوية ككل، لكن الجهاز العصبي تحديدًا أي تأثير بسيط بمسار تكوينه نتيجة طفرات جينية سواء وراثية أو بيئية قد تسبب عواقب وخيمة تدفع ثمنها العصبونات من ضمور المخ حتى انعدامه كالأمراض الوراثية المتناقلة عبر الأجيال، أو التعرض للإشعاعات والمواد الكيمياوية بفترات الحمل الأولى التي تسبب بتشوهات مختلفة الشدة، ويكون الرأي هنا لجيناتنا التي اختارت مصيرنا، أو أنه يحدث بسبب عامل ممرض مخرب خلال مرحلة التكوين الجنيني بالأشهر الأولى من الحمل، على رأسها: الفيروسات (كالحصبة، والمضخم للخلايا، ..)، والطفيليات (كالمقوسات..)، والجراثيم (كالولبية الشاحبة المتسببة بالسفلس)، أو أنه سلوك تدميري قامت به الأم كتعاطي الكحول، والمخدرات، والتدخين، أو حدث أثناء الولادة كنتيجة لنقص السكر في حالة الأم المصابة بالسكري، أو نقص الأوكسجين لأسباب مختلفة، وهما وسيطان لا يمكن أن تستمر العصبونات دونهن؛ فالسكر غذاء العصبونات، أما الأوكسجين فهو وسيط تفاعلات الفسفرة التأكسدية المنتجة للطاقة، وقد يحدث في فترة ما بعد الولادة نتيجة اليرقان النووي بأسبابه المتنوعة على سبيل المثال الذي يختار أن يتراكم ويترسب بالدماغ وتحديدًا بالنوى القاعدية بالمخ؛ ليتسبب بدمارها وتخريبها مؤديًا إلى ضمور المخ عند الرضيع.

 ثانيًا: الأسباب المتأخرة الفيزيولوجية

   التقدم بالعمر سبب رئيس في ذلك حيث أن مصير كل الخلايا بأجسادنا التنكس والموت الطبيعي حتى تتكامل الصورة بموتنا الأخير، وهذا السير هو الطبيعي للحياة، لكن يجب أن يتناسب التنكس مع عمرنا، فليس من الطبيعي أن يكون شاب بمقتبل العمر ويعاني من أعراض ضمور المخ الحرجة كاضطرابات الذاكرة، والتوهان فنقول بأن طبيعي، وبالمقابل هناك المسن الذي تخطى الثمانين عامًا في الغالب فتكون هذه الأعراض طبيعية بالنسبة لسنه.

ثالثًا: الأسباب المتأخرة المرضية

   تأتي ضمن حالات مرضية مختلفة، مثل: مرض هنتنغتون؛ هو مرض وراثي جسدي سائد تحدث به طفرة بالجين HHT تؤدي إلى خلل بالبروتينات الوظيفية بالمخ، فتسبب تراكم البروتينات تدريجيًّا بشكل مفرط ومدمر للخلايا، فتظهر أعراضه بين ٣٠-٥٠ عام مسببةً ضموره، أما الزهايمر فهو حالة عائلية من الأسباب الشائعة للضمور يلعب بها الدور البيئي والوراثي دور أساسي بظهوره؛ تحديدًا بالمراحل المتأخرة من العمر؛ نتيجة تراكم لويحات الأميلويد المعطلة لوظيفة العصبونات، لكن يحتاج إلى عشرات السنين؛ لذلك فهو يظهر بالأعمار المتقدمة، والتصلب المتعدد؛ هومرض مناعي ذاتي حيث تهاجم خلايا جهازنا المناعي مادة الميالين المغلفة للخلايا العصبية داخل الدماغ مسببةً ضموره.

   والتهابات الدماغ من أهم الأسباب المحدثة للفعاليات الاتهابية الشديدة لتحول الدماغ لساحة معركة مسببةً خسارة خلايانا العصبية النبيلة بمختلف أسبابه، مثل: التهاب الدماغ الجرثومي، أو الفيروسي، أو المناعي، كل الأسباب السابقة قد تتسبب في ضمور المخ؛ نتيجة التخريب الحاصل، أيضًا الإيدز (متلازمة نقص المناعة) المتسببة من قبل فيروس نقص المناعة البشرية الذي يدمر مناعة الجسم ككل والدماغ على الخصوص، فيصبح عرضةً لأي عامل ممرض قد يتسبب في تحطيمه وضموره، وهناك مجموعة أدواء تحت مسمى اعتلالات المادة البيضاء تحدث نتيجة طفرات جينية تتسبب بخلل على مستوى تكوين وتصنيع الميالين المغلف، والواقي، والحامي، والمسرع لعمل الخلايا العصبية؛ مما يؤدي إلى تناقص حجم الدماغ وضموره، أو كحالة سريعة الترقي والتطور كالسكتات الدماغية؛ إما نتيجة الصمات والتخثرات التي تسد وتوقف التدفق الدموي بالأوعية مسببة تموت العصبونات، أو النزف بشكل أقل شيوعًا مسببًا انفجار الأوعية المغذية للدماغ، فكلاهما يتسبب بحالة موت المخ وضموره.

ضمور المخ

أعراض ضمور المخ

   ما أعراض ضمور المخ ؟ الأعراض عبارة عن شكايات يراجع بها المريض، وفي هذه الحالة تختلف الأعراض باختلاف المناطق المتموتة بالدماغ، فمثلًا في حالة أنها أصابت:

مناطق التعلم واللغة: فتسبب فقدان اللغة، أو صعوبة التحدث أو الكتابة (حبسة تعبيرية)، أو الاستيعاب والفهم (حبسة استقبالية)، أما في حالة أنها أصابت المناطق الجبهية بالدماغ: فتسبب تغيرات في الشخصية والمزاج كالعصبية المفرطة، والسلوكيات الشاذة، وضعف المحاكمة العقلية والمنطق، لكن إذا أصابت مناطق الذاكرة: فتسبب النسيان، والتوهان، والعتاهة بدرجاته المختلفة، وقد تصيب النوى القاعدية مسببة؛ إما تشجنات أورقص، أوصرير أشكال مختلفة لاضطراب التنسيق والحركة، أما إذا أصابت مراكز اليقظة والانتباه: فتسبب تغيم، أوفقدان الوعي.

تشخيص ضمور المخ

   ليس كل نسيان أو ضياع فكري وتشوش أو خلل حركي بالضرورة أن يكون دليلًا عليه؛ لذلك فسؤالنا هو.. متى يتم اكتشاف ضمور المخ؟ 

   إن اكشتافه يتحدد بمجموعة من الاختبارات الممنهجة العالمية ضمن برتوكولات خاصة تجرى بالعيادات العصبية، تتضمن اختبارات التنسيق والحركة، واختبارات الذاكرة واللغة، واختبارات القدرة على حل المشاكل والمحاكمة والمنطق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأمراض المرافقة، وزمن ومدة الأعراض التي يشكيها المريض غالبًا ما تكون مستمرة ومتطورة وليست عابرة، كما أن بعض الاستقصاءات الشعاعية تساعد في التشخيص، والتي على رأسها: الرنين المغناطيسي، والطبقي المحوري، كذلك تخطيط الدماغ الكهربائي.

علاج ضمور المخ

   لنكن  أكثر دقة نجاوب عن سؤال مهم، ألا وهو: هل ضمور المخ له علاج؟ يؤسفنا أن نقول لا! فلا يوجد علاج يرجع خلاياك التي تموت أو أنه قد ينوب عنها خلايا عصبية جديدة، -كما أسلفنا سابقًا- فإن الخلايا العصبية خلايا نبيلة لا تعوض، لكن هناك علاجات وإجراءات يمكن القيام يها توقف تطور المرض أو تأخره أو توقيكَ من حدوثه وذلك يعتمد على المسبب؛ لذلك فقد يكون العلاج دوائي، أو على شكل إعادة تأهيل، أو جراحي يختلف باختلاف الحالة.

الوقاية من ضمور المخ

   الضمور التنكسي الذي يحدث نتيجة التقدم في العمر يمكن الوقاية منه باتباع التمارين العقلية المنتظمة اليومية والمستمرة كاللعب الشطرنج، والسكودو، أو الكلمات المتقاطعة، ..أو أي لعبة تضع عقلك أمام تحدي، فالكثير من الدراسات وجدت علاقة وثيقة بين هذه الألعاب وبين الوقاية من تراجع القدرات العقلية، كذلك ممارسة الرياضة المنتظمة، والإقلاع عن التدخين، فهو عامل مهم في الحفاظ على صحة دماغك، كما ينبغي كشف أي عرض باكر للأمراض سابقة الذكر، ومن ثم التوجه إلى الطبيب فورًا، حيث من الممكن أن يؤخر أو يوقف من تفاقم هذه الأعراض، ومن ثم المحافظة على الدماغ قدر المستطاع.

وهنا نصل إلى ختام مقالنا؛ وقد تعرفنا فيه على تفصيل لا بأس به على ضمور المخ، وأعراضه، وأسبابه، وطرق الوقاية منه، والهدف من أخذ الحيطة والحذر بتعقب وملاحقة أي عرض عصبي باكر وغير طبيعي -غير اعتيادي-، وتحديدًا المستمر من الأعراض سابقة الذكر في المقال، ومن ثم متابعتها عند مقدمي الرعاية الطبية سواء بالعيادات العصبية أو المشافي.

مقترحات القراءة

  1. التشوهات الكهفية الدماغية 
  2. التشوهات الكهفية الكبدية 

تعليقات